
نعيش اليوم في زمنٍ أصبحت فيه الوساطة والعلاقات الشخصية طريقًا شبه إلزاميّ لكل من يريد قضاء مصلحة أو بلوغ غاية، حتى بات كثير من الناس يظنون أن النجاح أو الرزق لا يتحقق إلا عبر “واسطة” أو “معرفة”. وبينما يسعى الناس خلف البشر طلبًا للعون، يتناسون من بيده الأمر كلّه، الذي يقول للشيء: كن فيكون.
معنى الاتكال الحقيقي
الإنسان بطبعه ضعيف، يسعى لتيسير أموره بما حوله، لكن الخطأ يبدأ حين ينسى أن الأسباب لا تعمل بذاتها، وإنما بإذن الله. فالواسطة في ذاتها ليست حرامًا إن كانت في الخير، ولكن الاعتماد القلبي عليها بدلًا من الله هو الخطر الحقيقي.
يقول الله تعالى:
“وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ”
أي كافيه ومغنيه عن كل البشر.
غياب الثقة في القدر
في لهاث الناس خلف أصحاب النفوذ، نرى فقدانًا للإيمان بالقدر والثقة بأن الله يُقدّر الأرزاق والفرص بعدله وحكمته.
كم من إنسانٍ لم يكن يملك وساطة، ففتح الله له الأبواب التي لم تخطر على بال، وكم من آخرٍ كانت له علاقات قوية، فسُدّت في وجهه الأبواب لأن الله لم يكتب له ذلك الأمر.
إن الله إذا أراد شيئًا هيّأ له أسبابه، ولو كانت مستحيلة في نظر الناس.
فساد القيم الاجتماعية
حين تصبح الواسطة معيارًا للتقديم والتفضيل، تُظلم الكفاءات وتُغلق الأبواب أمام المستحقين، وتضيع العدالة التي هي أساس استقرار المجتمعات.
يتحوّل الناس إلى مجتمع منقسم بين من “له ظهر” ومن “ليس له أحد”، وتذوب القيم النبيلة كالإخلاص، والاجتهاد، والعدالة.
العودة إلى التوكل الصادق
النجاة من هذا الواقع تبدأ من إصلاح العلاقة مع الله قبل البشر.
يجب أن نؤمن أن الله إذا أراد لك خيرًا، سيأتيك ولو لم يعرفك أحد، وأن ما لم يُكتب لك لن تناله مهما سعيت إليه.
قال النبي ﷺ: “واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك…”
الواسطة الحقيقية هي الصدق مع الله، والدعاء، والسعي بالأسباب الحلال، مع قلبٍ مطمئن أن التدبير بيد الله وحده.
إن زمن الوساطات والعلاقات قد يُغري البعض بالالتفاف حول الناس، لكنه يزيد الغافلين بعدًا عن مصدر القوة الحقيقي: الله سبحانه.
فلنعد إليه بثقةٍ كاملة، ولنؤمن أن كلمة “كن” منه أقوى من كل واسطة في الدنيا.
فمن جعل الله وكيله، كفاه ما بين السماء