
أكَّد الدكتور سعد العريفيّ أنّ المملكة العربيّة السّعوديّة ليست دولة طارئة على التّاريخ، وإنّما هي في صميمه، وفي قلب الحضارة، وأنّ أسرة آل سعود توَلّوا حكمها منذ ثلاثة قرون، وتحديدًا من عام 1139هـ الموافق 1627م، حتّى الآن.
جاء ذلك خلال ندوة بعنوان “قراءة في التّاريخ الوطني للمملكة: من التّأسيس إلى الرُّؤية”، ضمن فعاليات معرض الرّياض الدّولي للكتاب 2025، الذي تُنظّمه هيئةُ الأدب والنّشر والتّرجمة من 2 إلى 11 أكتوبر المقبل، في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بالرّياض.
وقال العريفي في افتتاحية النّدوة: “الامتداد التّاريخي لثلاثمئة عام ليس أمرًا عابرًا ولا جديدًا في قلب الحضارة، فإذا تحدّثنا عن الحضارات والأحداث المصيريّة في قلب العالم، فإنّنا نتحدَّث عن دولةٍ نشأت قبل كُبريات دول العالم الحديث. فالوحدة الألمانيّة تحقَّقت عام 1871م، والوحدة الإيطاليّة عام 1872م، في حين أنَّ الثَّورة الفرنسيّة وقَعت عام 1789م، والاستقلال الأمريكي كان عام 1776م، أمَّا الدّولة السّعوديّة الأولى فقد قامت قبل ذلك بخمسين عامًا، أي في عام 1727م، وهذا بلا شكٍّ يمنح المملكة امتدادًا راسخًا من الجذور العميقة في قلب الحضارة”.
واستعرض العريفيّ في حديثه البدايات الأولى للدَّولة السّعوديّة، مؤكِّدًا أنَّ الدِّرعيّة كانت رمزًا حضاريًّا عميقًا في الذَّاكرة السّعوديّة، وموضحًا أنّ تأسيسها على يدِ مانع المريدي عام 850هـ شكّل نقطةَ تحوُّل في مسار المنطقة، من إمارات متناحرةٍ إلى كيان يسعى لتأمين طرق الحجِّ والتِّجارة، ثمَّ إلى قاعدة لانطلاق الدّولة السّعوديّة الأولى.
وأشار إلى أنّ الدّرعية ظلَّت على مدى العصور رمزًا جامعًا لمواطني الدّولة السُّعودية، شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، معتبرًا أنّ رمزيّة الدّرعيّة اليوم تعكس وحدة الوطن وتجسّد حلم الأئمَّة الذي تحقّق في مشروع التّأسيس، ولا يزال يتجدَّد في حاضر المملكة ومستقبلها.
وانتقل للحديث عن مرحلة التَّوحيد الثّالثة التي قادها الملك عبدالعزيز، واصفًا إيَّاها بأنَّها إحدى كبريات ملاحم التّاريخ الحديث، منوّهًا بأنَّ “رحلة استرداد الرّياض عام 1902م لحظة مفصليّة رسمت ملامح الدّولة الحديثة”.
وسرد أبرز تفاصيل استعادة الرّياض، مشيرًا إلى شجاعة الملك عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه- الذي دخلها ومعه عشرات الرِّجال ليفتح صفحةً جديدةً في تاريخ البلاد، مبيّنًا أنّ هذه الملحمة التّاريخية مشروع وطني متكامل قاد إلى توحيد جميع تراب المملكة عام 1932م بعد ثلاثين عامًا من الكفاح والتَّوحيد.
وبيّن أنَّ الملك المؤسِّس جعل الأمن والاستقرار هدفه الأول؛ فبنى سور الرّياض، وأسَّس الهجر لتسكين القبائل، وأدخل التَّعليم والبرقيَّات والسَّيارات والقطارات، وسعى إلى عقد الاتّفاقيّات التي ضمِنت للمملكة موقعًا فاعلًا في محيطها الإقليميّ والعالميّ.
وتوقَّف العريفي عند قصَّة العَلَم السّعودي، مبرزًا تفرّده بين أعلام العالم، بصفته العلم الوحيد الذي لا يُنكّس لكونه يحمل شهادةَ التَّوحيد، قائلًا: “هذا العلم رسالةُ عقيدةٍ ووحدة وهويّة، رُفع منذ الدّولة السّعودية الأولى، وما زال يرفرف شاهدًا على ثبات المملكة وقيمها.
وتناول رؤيةَ المملكة 2030، واصفًا إيّاها بأنّها امتدادٌ طبيعيٌّ لجذور التّاريخ السّعودي، وبأنّها لم تنفصل عن الإرث الأصيل، وانطلقت منه لتبنيَ على أسسه مشروعًا حضاريًّا معاصرًا يقوم على الابتكار والتّقنيّة والذكاء الاصطناعي، ويستشرف المستقبل بصلابة الماضي وعمقه.
وختم العريفيّ باستعراضَ المواقف التّاريخية للمملكة التي رسَّخت ثباتها أمام التّحديات، بوصفها محطاتٍ أرست مكانةَ السّعودية إقليميًّا وعالميًّا، مشيرًا إلى أنّ “القيم التي قامت عليها الدّولة منذ تأسيسها ما زالت هي نفسها التي تحكم حاضرها وتوجِّه مستقبلها”، مستطردًا بأنّ التّاريخ الوطني يشكّل ركيزةً أساسيّة لبناء الهويّة وتعزيز الوحدة الوطنيّة.
يُذكر أنّ معرض الرّياض الدّولي للكتاب 2025 يقام تحت شعار “الرّياض تقرأ”، وانبثق من حملة “السّعودية تقرأ”، التي أطلقتها هيئةُ الأدب والنّشر والتّرجمة بهدف تعزيز شغف القراءة والمعرفة لدى جميع فئات المجتمع، وتشجيع الثّقافة والإبداع، وإتاحة الفرصة أمام القُرَّاء للتّفاعل مع المبدعين والمؤلّفين، بما يسهم في نشر الثّقافة وإثراء المشهد الأدبي والفكريّ في المملكة.